في مطار الدوحة أقلت الطائرة على متن الخطوط القطرية العشرات من النسوة الاسيويات والاوروبيات من غير المحجبات الى جانب عدد لا بأس به من الايرانيات اللواتي لا يلتزمن بشروط الحجاب حيث تظهر خصلات شعرهن بدلال وهي تتدلى على وجوههن. يصعد الجميع الى الطائرة بهدوء مصحوب بابتسامات مضيفات فيليبينيات. بعد نحو نصف ساعة على الاقلاع واستقرار خط سيرالطائرة في الفضاء يتم تقديم وجبة العشاء ومن دون اي ظهور للمشروبات الروحية بطلب من السلطات الايرانية، الا ان احدى المضيفات كانت "تهرب" بعض كؤوس النبيذ الاحمر لمن يطلب ويريد تذوق الخمر مع الوجبة.
وبعد ان تحط الطائرة في مطار الامام الخميني تضع جميع النسوة من ايرانيات واجنبيات الحجاب فوق رؤوسهن لكن من دون تغطية كامل الشعر احتراماً لقوانين الدولة. اما المحجبات "الحقيقيات" فيبقين على احوالهن من دون تكلف. يلفح الطقس العاصف وجوه القادمين والمسافرين حيث الثلوج تكلل قمم جبال طهران التي تحوطها من كل الجوانب رافعةً من معدلات التلوث في عاصمة تعج بالملايين من البشر وسط زحمة سير لا تنقطع ارتالها ليل نهار.
يدقق عناصر الامن بجوازات السفر ويختمونها بعد مراجعة الاسماء في اللوائح التي وصلتهم قبل قدوم الركاب، ويتبادلون الحديث بالانكليزية مع الاجانب. وقد اعتادوا قدوم اللبنانيين بكثرة بهدف زيارة العتبات المقدسة او المشاركة في مؤتمرات سياسية واقتصادية وثقافية. وليس من المبالغة القول ان ايران من اكثر الدول التي تنظم المؤتمرات على انواعها، اضافة الى وجود معارض كتب مفتوحة. ويصنف الايرانيون في مرتبة متقدمة في القراءة والمطالعة.
ولا يزالون يعانون زحمة السير حيث يحتاج القادم اليها للوصول الى شمال طهران الى ما لا يقل عن الساعتين في السيارة، وقد اعتاد ابناء البلد هذا الطقس. وما يفاجىء الزائر الذي يقصدها للمرة الاولى هو سماعه الموسيقى والمنوعات الفارسية المنبعثة من مذياع الحافلة. ويحتفظ السائق بأشرطة لفيروز قال إنه يستمع الى اغانيها عندما يكون بمفرده. ويلاحظ ان العدد الأكبر السيارات التي يقودها الايرانيون هي محلية الصنع وتشبه قياداتهم لها حالنا في لبنان حيث لا يتم تطبيق قواعد السير بالشكل المطلوب، على الرغم من انتشار الالوف من عناصر الشرطة في الشوارع والازقة على مدار الساعة وباشراف ضباط كبار. وثمة طرق خاصة عند الاوتوسترادات للمواكب الرسمية وضيوف الدولة. وتسلكها ايضاً سيارات الاسعاف والدراجات النارية، اضافة الى من يحصل على تصاريح خاصة من بلدية طهران التي رفعت من شأن العاصمة في الاعوام الاخيرة حيث ارتفعت فيها المباني على عشرات التلال وتكسير جبال من الصخر وتفتيته للاستفادة من مساحاته.
وفي التجوال في الاحياء الشعبية لا يخفي المواطنون من ارتفاع اسعار المواد الغذائية ، الا ان الدولة تؤمن لهم التعليم المجاني في المدارس والجامعات ولا تقصر في دعم الكهرباء والغاز والمياه وايصالها الى المنازل التي ارتفعت اثمانها في الاعوام الاخيرة. واصبح من الصعب على الموظف او العسكري ان يشتري منزلاً في العاصمة بسبب ارتفاع اسعار الشقق . ويلجأ اكثر هؤلاء الى السكن في ضواحي العاصمة البعيدة من وسطها حيث تتوافر شبكة نقل متطورة. وتنتشر على ابواب المؤسسات صور مرشد الثورة الاسلامية الامام علي خامنئي في شكل واسع وثبت بعضها الى جانب صور قائد الثورة الامام الراحل الخميني ومن الصعب العثور على صورة واحدة للرئيس حسن روحاني.
عند الدخول الى الفنادق، ولا سيما التي يقصدها المشاركون في المؤتمرات اضافة الى الديبلوماسيين ورجال الاعمال، يخضع كل من يحضر اليها الى تفتيش لكن من دون ازعاج او مضايقات وينتشر المئات من عناصر "الحرس الثوري" في محيط الفنادق والقاعات التي تستضيف اجانب بغية تأمين الحماية لهم. واذا حضر خامنئي في على غرار ما حصل في الاسبوع الفائت في مؤتمر دعم الانتفاضة والشعب الفلسطيني في قصر المؤتمرات حيث تحول ثكنة امنية ومنع المشاركون من ادخال الهواتف الخلوية. ولم تسلم علب السجائر وحبات الدواء التي بقيت في الخارج. وثمة تعليمات صارمة ينفذها حرس القائد هنا بدقة متناهية ولا يتم استثناء السفراء وكبار الشخصيات من التفتيش ايضاً.
في ساعات المساء يجول الزوار في اسواق العاصمة ومقاهيها التي لا تعارض الاختلاط ، للتعرف اكثر إلى اهلها ومحالها بعد توقيع الاتفاق النووي وما اذا كانت ستحصل تبدلات بعد وصول الرئيس دونالد ترامب على رأس الادارة الاميركية. ولا يخفي الايرانيون اعتزازهم وما حققوه على المسرح السياسي. وكأنهم شعب خلق للتحديات. تتفق او تختلف مع ايران الا ان زائرها لا يخرج الا بنتيجة وهي ان اهلها يتحملون التحدي ويقدرون على المواجهة ويعتزون بقوميتهم التي يغلبونها على صعوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية ومن أي جهة أتت.
0 التعليقات:
إرسال تعليق